وجود الله ممتد من القدم بحيث لا يتصور قبله وجود قط و ما دام كل وجود قد نشأ عنه فالله تبارك و تعالى أسبق منه .. بعض الناس نظروا إلى هذا الأمر بعقول قصيرة و قاسوا وجوده المطلق بوجودنا المحدود فتوهموا أن له أولا .... و الله سبحانه و تعالى باق أبدا إنه ليس جسما فيموت و لا مادة فتتحلل إنه الدائم الذي يصير إليه كل شيء وقد وصف نفسه في القرآن الكريم بعدة صفات من الصعب إدراك حقيقتها على النحو الذي ندركبه أمورنا المعتادة بل هذا مستحيل !! من أين للتافه أن يعرف ذات العظيم ؟ إن النملة لا تعرف حقيقة الإنسان ولا ذاته و لا شيء البتة فحدود عالمها الذي تعيش فيه تمنعها من ذلك .. إن الإنسان عاجز عن إدراك حقيقة الوجود المادي من حوله فكيف له أن يعرف ما واء الوجود ؟؟ إذ قيل بأن الله يسمع فليس ذلك بآذان كآذاننا و إذا قيل أنه يرى فليس ذلك بعين كأعيننا.. و إذا قيل بأنه بنى السماء فليس بالنحو المألوف من تكليف و استحضار الأدوات .. و إذا قيل بأن يده فوق أيدينا فليس الوصف لجارحة أعضائنا .. ولو عدنا قليلا إلى الوراء للاحظنا أن اللغات هي من صنع الإنسان .. فنحن العرب وضعنا كلمة أذن إشارة لهذا التجويف الموجود أيمن الوجه و أيسره و الذي نسمع به الأصوات و نتبين به الكلمات ...و من هنا يكون مجيئ هذه الكلمات لتقريب المعاني من الذهن و لا يمكن أن تكون هذه العبارات التي هي من صنعنا نحن بيانا أو وصفا حقيقيا لعالم ما وراء المادة ... و أي حديث عن صفاته العليا فإن الأمر لا يعدو تقريب الحقائق المطلقة لوحينا المحدود... و الله أكبر من أن تحيط بعظمته عقولنا أو تستوعب كماله جل جلاله ... وصاحب الفطرة السليمة لا تسأل عن ما يد الله ؟ و ما قدره ؟ و ما علمه ؟ الفطرة السليمة لا تبحث عن جواب لهذا لأنها تدرك أنها أمام الكمال المطلق فلا تترك مجالا للتشبيه و للمقارنة ... سليم القلب يدرك جيدا أن عقله مهما سافر و تخيل و حاول أن ينسج لن يصل إلى أي مكان و لن يمسك بأية صورة ... و أي صورة يرسمها له عقله ستكون بلا شك بعيدة كل البعد عن الكمال المطلق و جبروت الله عز وجل... عندما جاء القرآن الكريم ليدل الناس على ربهم كان لابد أن يعطي للناس مفهوما عن ربهم و لكي تأنس عقولهم به و لكي ترتاح عقولهم له ... مفهوم الألوهية في الإسلام ليس مفهوما ماديا فالإسلام لا يجسد الخالق جل جلاله و لو تجسد لتحدد و لو تحدد لوقع في دائرة الحس و في محيط النظر و لأصبح شيء من الأشيا ( محدود ) و هذا سيذهب بجلال ذاته و هذا لا يلقي بالله جل جلاله و هذا ما يثبث أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعظم الخالق تعظيما يليق بجلاله و عظمة سلطانه ! في الكتب المنسوبة إلى الوحي ستجد أن الرب صارع يعقوب عليه السلام فغلب يعقوب ... و عند اليهود ستجد أن الله قد تعب بعد بنائه للسماوات .. في الإسلام ستجد ( ليس كمثله شيء ... ) القرآن الكريم ذكر صفات الخالق جل جلاله ليمسك بها العقل و يطمأن إليها القلب و لكي تؤثر في سلوك المؤمن و لكي يعلم أن ربه سميع عليم قدير قائم متعال في جبروته ملائكته حافون من حول عرشه لا يعصون أمره و يفعلون ما يؤمرون.... و الإنسان عندما يسمع مثل هذه الصفات يخيل إلى عقله صور للذات عندئد يقرأ ( ليس كمثله شي ) فتذوب تلك الصورة كما يذوب الملح في الماء ...